بحث متقدم
الزيارة
5528
محدثة عن: 2010/08/05
خلاصة السؤال
ما هو أساس التفاوت فی خلقة الموجودات الذی أدى أن یکون بعضها إنساناً و الآخر حیواناً أو نباتاً؟
السؤال
ما هو الأساس فی خلقة الموجودات الذی أدى أن یخلق واحد إنساناً و الآخر نباتاً أو حیواناً؟ و ما معنى أن کل موجود یخلق على قدر لیاقته؟
الجواب الإجمالي

إن عالم الوجود هو النظام الأحسن الذی خلقه الله فی أحسن وجه ممکن. لکل شیء وحدث فیه مرتبة خاصة و مقام معلوم. و یدبر هذا النظام عبر سلسلة من القوانین التی لا تتبدل و لا تتغیر.

من لوازم النظام الأحسن للوجود هو أن تکون المخلوقات على درجات و مراتب مختلفة. إن هذه الاختلافات و الفوارق لا تخلق، بل هی لازم ذاتی للمخلوقات فیخلقهم الله سبحانه على قدر لیاقتهم و سعتهم الوجودیة؛ لأنهم لا یتقبلون أی رتبة سوى رتبتهم التی خلقوا فیها.

الجواب التفصيلي

یحتوی الجواب على أربعة أقسام:

القسم الأول: لا شک فی أن هذا العالم منظم و نظمه ذاتیّ. و هناک علاقة حقیقیة بین أجزاء العالم تشبه مراتب الأعداد. نجد فی الأعداد أن رتبة "الواحد" قبل "الاثنین" و رتبة "الاثنین" قبل "الثلاثة" و بعد "الواحد"، کما نجد أن جمیع الأعداد ما عدى "الواحد" تأتی مسبوقة بعدد و سابقة لآخر. و قد احتل کل عدد رتبة و له الأحکام و الآثار الخاصة بها و بهذا شکل مجموع الأعداد اللامتناهیة نظاماً، و هذا النسق و النظام الموجود فی مراتب الأعداد أمر ذاتی.

إن هذا النظام الذاتی نفسه قائم بین المخلوقات فی عالم الوجود. یعنی أن الله سبحانه و تعالى لم یخلق مجموعة من الأشیاء دون وجود أی علاقة بینهم، ثم یأتی ویسطرهم فی صفّ واحد و یجعل بعضاً خلف بعض.

القسم الثانی: النظام القائم فی عالم الوجود هو النظام الأحسن. یعنی کل ما موجود فی العالم هو فی غایة الحسن و خلق فی أحسن حالة، بحیث لا یمکن أن یتصور أحسن منه. یقول القرآن الکریم فی ذلک: "الَّذی أَحْسَنَ کُلَّ شَیْ‏ءٍ خَلَقَه‏"[1]

القسم الثالث: هناک سنن و قوانین تتحکم فی نظام الوجود و الله سبحانه یدبر العالم عبر هذه القوانین و لا یتجاوزها أبدا کما أنها لا تتغیر و لا تتبدل کما یقول القرآن الکریم: "وَ لَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدیلاً ".[2]

القسم الرابع: أحد قوانین هذا العالم هو قانون العلیة. و بمقتضى هذا القانون لکل موجود فی نظام الوجود شأن و مقام معلوم. فلولا هذا القانون لتمکن کل شیء أن یوجد أی شیء و لتمکن أیّ معلول أن یحتل رتبة أی علة و تمکنت أی علة أن تأتی فی مکان أی معلول؛ یعنی یتساوى أثر شعلة الکبریت مع أثر شعلة الشمس فی حین أنه لیس کذلک.

إن حاکمیة قانون العلیّة على العالم أمر واضح لأن لکل معلول علة خاصة به و لکل علة أثر و معلول خاص بها و لیست مراتب موجودات العالم من قبیل الرتب الوضعیة و الاعتباریة الرائجة فی الأوساط الاجتماعیة و التی لا یفرق فیها أن یکون فلان رئیسا و فلان مرؤوسا أو بالعکس. و أما مراتب موجودات العالم فهی مراتب حقیقة و واقعیة و على أساسها لا یستطیع الخروف أن یکون أنساناً و لا یمکن للإنسان أن یکون خروفاً أو نباتاً. و لا معنى لسؤال "لماذا" هنا بأن یسأل أحد لماذا خلق هذا نباتا و هذا إنسانا و ذلک حیوانا. ففی کلمة واحدة نقول: إن الفرق فی موجودات العالم هو ذاتیّهم و هو مقتضى نظام العلة و المعلول.[3]

إذن معنى ما یقال إنه تعالى یخلق کل موجود بحسب لیاقته، هو أن الله سبحانه و تعالى یخلق الأشیاء یحسب استعدادها و استیعابها الذاتی. لیست الدرجات و الرتب التی قسمت على المخلوقات حین خلقهم و التی جعلت شیئا جمادا و الآخر نباتا أو غیره من قبیل المناصب الاجتماعیة کالرئیس و المرؤوس حتى یمکن تغییرها و تبدیلها، بل هذه المواقع مثل خواص الأشکال الهندسیة ذاتیة لها. عندما نقول إن خصوصیة المثلث هو أن یعادل مجموع زوایاه زاویتین قائمتین و خصوصیة المربع هو أن یکون مجموع زوایاه أربع قوائم لیس یعنی أنه أعطی لواحد خصوصیة التعادل مع قائمتین و أعطی الآخر خصوصیة تعادله مع أربع قوائم. فلهذا لا یمکن أن یقال: لماذا ظلم المثلث و لم یمنح خصوصیة أربع قوائم أو بالعلکس. لأن المثلث لا یمکن إلا أن یحتوی على تلک الخصوصیات المعینة و الاستیعاب الخاصّ به.

إن رتب الخلائق فی العالم هکذا أیضا. إن کون الجماد لا ینمو و لا یشعر و کون النبات ینمو و لا یشعر و کون الحیوان ینمو و یشعر، هذا ذاتی رتبة کل فئة منهم؛ لا أنها خلقت فی البدایة سواسیة فی رتبة واحدة ثم أعطى الله لیاقة النمو و الشعور لواحد و حرم آخر کل هذه المواهب و أعطى الآخر موهبة واحدة دون الأخرى. إذن هذا التصور تصور خاطئ و هو أن نفترض أن الله سبحانه و تعالى خلق الأشیاء على درجة واحدة ثم فضل بعضهم على بعض. بل الصحیح هو أن نقول إن کل واحد من الأشیاء إنما یتقبل درجة واحدة و مستوى واحدا من الوجود فحسب و إن الله لا یعطیه إلا تلک الخلقة الخاصة به. کما قال ابن سینا: "ما جعل الله المشمشة مشمشة بل أوجدها."

من أجل اتضاح المسألة أکثر لاحظوا هذا المثال: تتکوّن السیارة من عدة أجزاء من قبیل البراغی و الصامولات الکبیرة و الصغیرة و الهیکل و المحرک و العجلات و المصابیح و المقود و غیر ذلک. لکن لم یصنع الصانع والمهندس فی البدایة مجموعة من القطع بشکل مساو ثم یجعل قطعة مقوداً و الأخرى عجلة و... بل من البدایة صنع کلا من البراغی و الصامولات الکبیرة و الصغیرة و الهیکل و المحرک و العجلات و المصابیح و السکان لوحدها ثم جعل کل واحدة فی مکانها لتقدر السیارة على أداء دورها بالشکل المطلوب.     


[1]. السجده، 7.

[2]. احزاب، 62.

[3]. مطهری، مرتضی، العدل الالهی، ص 102 - 107، صدرا، الطبعة 30، 1378.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    279488 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    257381 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    128218 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    113349 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89045 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    59904 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    59609 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    56909 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    49846 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47218 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...