بحث متقدم
الزيارة
7353
محدثة عن: 2009/05/04
خلاصة السؤال
ما هو الفرق بین الآیة 6 من سورة یس و الآیة 15 من سورة الأسراء؟
السؤال
قال الله سبحانه و تعالی فی سورة یس "تنزیل العزیز الرحیم لتنذر قوماً ما أنذر آباؤهم فهم غافلون" (آیة 6) و جاءت فی آیة اخری «و ما کنّا معذبین حتی نبعث رسولاً» الاسراء 15 یلاحظ وجود إختلافً ظاهریً بین الآیتین فکیف تعالج هذه الشبهة؟
الجواب الإجمالي

لا یوجد ای تهافت بین الطائفتین من الآیات لان الآیة الثانیة تقول: «و ما کنّا معذبین حتی نبعث رسولاً» ای لا یوجد عذاب قبل إرسال الرسل.

و لکن الآیة الاولی تقول: "لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُم‏"، فلم تذکر ای کلام عن العذاب. نعم قد یتصور وجود التنافی بین قوله تعالی: "لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُم‏" و بین قوله تعالی: "و ان من امّة الا خلا فیها نذیر" و لکن هناک توجیهات و احتمالات للآیة السادسة من سورة یس ذکرها المفسرون و قد ذکرناها فی الجواب التفصیلی و معها لا یبقی أی تناف و تعارض بینهما.

الجواب التفصيلي

قال تعالی فی بدایة سورة یس: "لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُم‏"  ومن الواضح ان هذا التوهم یحدث اذا قلنا بأن «ما» الواردة فی الآیة ) الا ان هذا التوهم یندفع عند التامل فی المبارکة فمثلا و لکنه فی هذه الآیة الکریمة لا یوجد ای کلام عن عذاب غیر المنذرین، و من جهة اخری جاء فی هذه الآیة المشار الیها: "ما کنا معذبین حتی نبعث رسولا" فمن الواضح انه لا یوجد ای تناقض بین هاتین الآیتین.

و لکنه یمکن ان یطرح السؤال بشکل اخر حتی یرد الإشکال: اذا کانت «ما» فی الآیة 6 من سوره یس نافیة [1] فیکون المعنی هکذا: کان هناک أناس غیر منذرین، و من جهة اخری فان الآیة الکریمة 24 من سورة فاطر تصرح: «... و ان من امّة الا خلا فیها نذیر» فقد نری بان هناک اختلافاً ظاهریاً بین الآیتین و لا جل حل هذا الإختلاف یجب ان تلاحظ بعض الامور.

طرق حل الإختلاف:

1. فی قوله "ما انذر آبائهم" التی جاءت فی الآیة 6 من سورة یس)

توجد إحتمالات ذکرها الطبرسی، و هی:

الف) ما نافیة:«لِتُنْذِرَ قَوْماً» لم ینذر «آباؤُهُمْ» قبلهم، لأنّهم کانوا فى زمان الفترة بین عیسى و نبیّنا- علیهما السّلام. و مثله قوله: «لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِیرٍ مِنْ قَبْلِکَ» و «ما أَرْسَلْنا إِلَیْهِمْ قَبْلَکَ مِنْ نَذِیرٍ» فیکون «ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ» فى موضع نصب على الصّفة.

ب) ما مصدریة: و قد فسّر "ما أنذر" على إثبات الإنذار بأن جعل «ما» مصدریّة بمعنى لتنذر قوما إنذار آبائهم.

ج) أو موصولة منصوبة على المفعول الثّانی بمعنى: لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم من العذاب، کقوله:ِانَّا أَنْذَرْناکُمْ عَذاباً قَرِیباً»..[2]

فعلی الإحتمال الثانی و الثالث لا یوجد ای تعارض بین الآیات و یمکنه ان تُعِضد و تؤید بالایات القرآنیة الاخری مثل الایة 165 من سورة النساء و الآیة 24 من سورة فاطر. ففی هاتین الآیتین و الآیات المشابهة لها تؤکد علی ضرورة إرسال الرسول. و من ناحیة اخری فان الروایات تؤید هذا المعنی حیث نقل عن الإمام الصادق (ع) : فی ذیل تفسیر قوله تعالى" لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم" انه قال:" لتنذر القوم الذین انت فیهم کما انذر آبائهم فهم غافلون" [3]

اذن یمکنه رفع الإختلاف بالتمسک بالوجوه الاخری للآیة و الإستعانة بالآیات و الروایات.

2. یحتمل ان المراد بعدم إنذار الآباء فی سورة یس لا یقصد بها الامم السابقة و إنما المقصود الآباء القریبون الذین لم یصلهم الانذار لأسباب شتی و عوامل مختلفة.

توضیح ذلک: تؤکد الثقافة القرآنیة علی انه لا توجد امة قد خلا فیها نذیر و لکنه لیس من البعید ان هناک أشخاصاً لم یصلهم نداء النبی (ص) لأسباب مختلفة، فاذا لم یکن هؤلاء مقصرین فهم معذورون عند الله تعالی.

یقول السید العلامة الطباطبائی (ره) فی ذیل سورة النساء الآیة 98:

یتبین بالآیة أن الجهل بمعارف الدین إذا کان عن قصور و ضعف لیس فیه صنع للإنسان الجاهل کان عذرا عند الله سبحانه.

توضیحه: ان الله سبحانه یعدّ الجهل بالدین و کل ممنوعیه عن اقامة شعائر الدین ظلماً لا یناله العفو الإلهی، ثم یستثنی من ذلک المستضعفین و یقبل منهم معذرتهم بالإستضعاف، ثم یعرّفهم بما یعمهم و غیر هم من الوصف، و هو عدم تمکنهم مما یدفعون به المحذور عن انفسهم. و هذا المعنی کما یتحقق فیمن احیط به فی ارض لا سبیل فیها الی تلقی معارف الدین لعدم وجود عالم بها خیر بتفاصیلها أو لا سبیل الی العمل بمقتضی تلک المعارف للتشدید فیه بما لا یطاق من العذاب مع عدم الإستطاعة من الخروج و الهجرة الی دار الإسلام و الإلتحاق بالمسلمین لضعف فی الفکر أو لمرض أو نقص فی البدن أو لفقر مالی و نحو ذلک.

کذلک یتحقق فیمن لم ینتقل ذهنه الی حق ثابت فی المعارف الدینیة و لم یهتد فکره الیه مع کونه ممن لا یعاند الحق و لا یستکبر عنه اصلاً، بل لو ظهر عنده حق اتبعه لکن خفی عنه الحق لشیئ من العوامل المختلفة الموجبة لذلک [4].

من الطبیعی اذا فسرنا" ما أنذر آباؤهم" بعدم وصول الإنذار الی هؤلاء فهذا المعنی یتلائم و ینسجم مع بقیة اصول و مبانی القرآن التی أوضحناها.



[1] الصافی، محمود بن إبراهیم، الجدول فی اعراب القرآن، ج 22، ص 291.

[2] الطبرسی، ابو علی الفضل بن حسن، جوامع الجامع، ج 3، ص 131، مؤسسه النشر الإسلامیة للحوزة العلمیة فی قم المقدسة 1422 هـ.ق.

[3] العروسی الحویزی، عبد علی بن جمع، نور الثقلین، ج 4، ص 375،‌ مؤسسة مطبوعات اسماعیلیان، بی تا، عن ابی بصیر عن أبی عبدالله (ع) قال مسألة عن قوله لتنذر قوماً ما انذر آبائهم فهم غافلون. قال (ع).

[4] السید الطباطبائی، محمد حسین ترجمة المیزان، ج 5، ص 51.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    279435 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    257247 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    128143 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    113244 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    88997 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    59837 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    59551 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    56856 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    49740 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47165 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...